recent
أخبار ساخنة

**الدولة، الليبرالية، وتحديات عصر الروبوتات والذكاء الاصطناعي**

الصفحة الرئيسية
الحجم
محتويات المقال

 

**الدولة، الليبرالية، وتحديات عصر الروبوتات والذكاء الاصطناعي**

 

يشهد عالمنا المعاصر تحولات جذرية وعميقة، تقودها قفزات تكنولوجية غير مسبوقة، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي التوليدي، والروبوتات المتقدمة، والثورة الرقمية الشاملة. هذه التطورات لا تقتصر على إعادة تشكيل أنماط الحياة وتفاصيلها اليومية في المجتمعات، وبخاصة تلك الأكثر تطوراً، بل تتجاوز ذلك لتضعنا، وفق مؤشرات متنامية، على أعتاب قطيعة معرفية وحضارية مع مفاهيم عالم الحداثة وما بعدها. إنها تغيرات تطال بنية الظواهر التي ارتبطت بعولمة الأسواق والثقافات، وتفرض تحولات في النظريات والمفاهيم، بل وفي صميم اللغة الفلسفية، السوسيولوجية، القانونية، السياسية، الاقتصادية، والثقافية.

يشهد عالمنا المعاصر تحولات جذرية وعميقة، تقودها قفزات تكنولوجية غير مسبوقة، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي التوليدي، والروبوتات المتقدمة، والثورة الرقمية الشاملة. هذه التطورات لا تقتصر على إعادة تشكيل أنماط الحياة وتفاصيلها اليومية في المجتمعات، وبخاصة تلك الأكثر تطوراً، بل تتجاوز ذلك لتضعنا، وفق مؤشرات متنامية، على أعتاب قطيعة معرفية وحضارية مع مفاهيم عالم الحداثة وما بعدها. إنها تغيرات تطال بنية الظواهر التي ارتبطت بعولمة الأسواق والثقافات، وتفرض تحولات في النظريات والمفاهيم، بل وفي صميم اللغة الفلسفية، السوسيولوجية، القانونية، السياسية، الاقتصادية، والثقافية.
**الدولة، الليبرالية، وتحديات عصر الروبوتات والذكاء الاصطناعي**


**الدولة، الليبرالية، وتحديات عصر الروبوتات والذكاء الاصطناعي**


  • ونتيجة لذلك، تبدو الأنظمة اللغوية وأدوات التحليل التقليدية التي اعتدنا عليها عاجزة عن مواكبة هذه
  •  المستجدات، وعن إمدادنا بفهم دقيق لما يجري حولنا. وتبرز هذه الإشكالية بحدة في السياقات الثقافية
  •  العربية، حيث تتجلى صعوبة في تعريب المصطلحات الجديدة التي تفرزها هذه الثورة المعرفية
  •  والتشوش الفكري إزاء ظواهر تداهمنا بسرعة وتصبح جزءاً لا يتجزأ من مشهد حياتنا وأنماط
  •  تفكيرنا، بينما يقف العقل العربي في كثير من الأحيان حائراً ومندهشاً أمامها.

 المد التكنولوجى

لقد أحدث هذا المد التكنولوجي تغييراً في طبيعة علاقة الإنسان بالدولة والسلطة، وبالبيئة المحيطة، وبمفهوم الحريات والليبرالية ذاتها.

 ولعل الأهم من ذلك هو تفاقم "مشكلة المعنى" والتشكيك في الشرط الوجودي للإنسان، خاصة في ظل عالم "الإناسة الروبوتية" ومؤشرات التحول نحو "ما بعد الإنسانية". فالروبوتات لم تعد مجرد أدوات، بل أصبحت تمارس أدواراً محورية في قطاعات حساسة كالطب، حيث تشخص الأمراض وتجري عمليات جراحية بالغة الدقة. 

  1. كما يقوم الذكاء الاصطناعي التوليدي بدور بارز في التخطيط العمراني والهندسي، وفي إيجاد حلول
  2.  لمشكلات كانت حكراً على العقل البشري. هذا الإحلال المتزايد يضع مفهوم "العمل الإنساني" ذاته
  3.  موضع تساؤل عميق، ويثير مخاوف من اغتراب إنساني واسع النطاق مع توقع خروج مئات الملايين
  4.  من البشر من أسواق العمل لصالح الآلات الذكية.

 تأثير أنظمة الذكاء الاصطناعى

ولم يقتصر الأمر على الوظائف اليدوية أو الروتينية، بل امتد تأثير أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي ليشمل وظائف عقلية عليا كالتفكير النقدي، وطرح الأسئلة الجوهرية، والسعي لتقديم إجابات عنها.

 وفي مجالات الإبداع، يسهم الذكاء الاصطناعي في صناعة السينما والموسيقى والأدب، وفي إنتاج اللوحات الفنية، بل وحتى في "إبداعها"، مما يهدد بإزاحة مفهوم الإبداع والابتكار الذي ارتبط تاريخياً بالعقل والمواهب الإنسانية. 

  • وفي الحقل الأكاديمي، بدأ الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً في إعداد الأطروحات العلمية وأبحاث
  •  الترقي، وهو ما ينذر بخطر "عطالة العقل" الأكاديمي، لا سيما في بعض الجامعات العربية، إذا لم يتم
  •  التعامل مع هذه الأدوات بحذر ووعي.

 

  1. ولا تتوقف تداعيات هذه الثورة عند مجالات الفكر والفن والعلوم، بل تمتد لتشمل مجالات حيوية
  2.  واستراتيجية كالحروب والتجسس والأمن السيبراني. فالذكاء الاصطناعي يساهم في التخطيط
  3.  العسكري، وفي صناعة أسلحة فتاكة، وتوجيه الطائرات المسيرة بدقة، وتطوير أنظمة التسليح
  4.  والتدريب، مما قد يؤدي إلى تعظيم الخسائر البشرية والمادية، وتجاوز القوانين الدولية والأعراف
  5.  الإنسانية، كما نشهد في بعض الصراعات الراهنة.

 

إن تأثيرات هذه "الثورة الصناعية الرابعة" تطال أيضاً أسس الليبرالية والرأسمالية العالمية، ومفاهيم العدالة والحريات، والمؤسسات السياسية القائمة، التي تواجه أصلاً أزمات متراكمة منذ حقبة العولمة. ويبرز ذلك من خلال:

 

1.  **تغول سلطة الشركات الكبرى:** فقد اتسعت بشكل هائل سلطات الشركات الرأسمالية الكونية، سواء كانت إقليمية أو وطنية، في اتخاذ قرارات اقتصادية جوهرية تؤثر بشكل مباشر على سياسات الدول، حتى أصبحت هذه الشركات بمثابة سلطة فوق قومية. وفي المقابل، تضاءلت قدرات الدول والأنظمة السياسية على تلبية احتياجات مواطنيها، مع تنامي نفوذ المصارف الكبرى في تحديد أسعار الصرف والفوائد وشروط الإقراض. هذا الدور المتجاوز للدولة القومية يتعاظم في ظل هيمنة الرأسماليات الرقمية العملاقة، التي تستغل "البيانات الضخمة" (Big Data) لتحليل سلوك مليارات البشر وتوجيهه، وبيع هذه المعلومات لشركات الإنتاج والاستهلاك، بل وحتى لأجهزة استخباراتية، مما يجعل السلطة الحقيقية منفصلة بشكل متزايد عن السياسة الرسمية، كما أشار زيجمونت باومان.

 

2.  **تصاعد النزعات الشعبوية وتآكل الحريات:** تبدو النزعات الشعبوية والعرقية والقومية المتطرفة كردود أفعال على أزمات الطبقات السياسية التقليدية في الغرب، وعلى التداخل المشبوه بين مصالحها ومصالح المصارف والشركات الكونية. كما أدت ثقافة الاستهلاك المكثف، التي تروج لها هذه الشركات، إلى هيمنة "الحرية الاستهلاكية" على باقي الحريات الأساسية، وجعلت الدولة والسلطة السياسية خاضعة لتأثيرات السوق، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الضرائب والتضخم والبطالة، ويفجر احتجاجات اجتماعية حتى في الدول المتقدمة، ويكشف عجز الآليات الليبرالية التقليدية عن تمثيل المصالح المجتمعية بفعالية.

 

3.  **الأزمات البيئية والصحية:** إن الأدوار المتعاظمة للشركات الرأسمالية في استغلال مصادر الثروات الطبيعية بشكل جائر قد أدت إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، والاختلالات البيئية الخطيرة، وظهور فيروسات جديدة وغير مكتشفة، كما حدث مع فيروس كورونا. هذه الاختلالات تشكل تهديداً وجودياً للحياة الإنسانية، وتكشف عن مدى تغول سلطة الشركات وتجاوزها للدول أو تواطئها معها لأسباب ربحية، مما يؤكد أزمة الدولة والسلطة في مواجهة هذه التحديات الجسيمة.

 

وفي الختام

 يبدو أننا أمام منعطف تاريخي يتطلب إعادة نظر شاملة في مفاهيمنا وأدواتنا، وفي طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع والتكنولوجيا، لمواجهة تحديات عصر الروبوتات والذكاء الاصطناعي بما يحفظ للإنسان كرامته ومستقبله.

**الدولة، الليبرالية، وتحديات عصر الروبوتات والذكاء الاصطناعي**


تعديل
author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent